فصل: قال في صفوة التفاسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: الإنسان مركب من عالمي الأمر والخلق. له روح نوراني من عالم الأمر والملكوت، وله نفس ظلمانية من عالم الخلق والملك، ولكل منهما نزاع وشوق إلى عالمه. فغاية بعثة الأنبياء تزكية النفوس عن ظلمة أوصافها وتحليتها بأنوار الأرواح، وحاصل تسويل الشيطان عكس هذه القضية وإليه الإشارة في قوله: {إن تبدوا ما في أنفسكم} مودع من أنوار الأخلاق الروحانية في الظاهر بأعمال الشريعة في الباطن بأحوال الحقيقة {أو تخفوه} بإبراز ظلمات الأوصاف النفسية في الظاهر بمخالفات الشريعة، وفي الباطن بموافقات الطبيعة {يحاسبكم به الله} بطهارة النفس لقبول أنوار الروح أو بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس {فيغفر لمن يشاء} فينور نفسه بأنوار الروح وروحه بأنوار الحق {ويعذب من يشاء} فيعاقب نفسه بنار دركات السعير وروحه بنار فرقة العلي الكبير {والله على كل شيء} من إظهار اللطف والقهر على تركيب عالمي الأمر والخلق {قدير} لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وبلغ المقصد الأعلى {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 9] أكرم بالسلام قبل الكلام فقيل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فأجاب صلى الله عليه وسلم بقوله: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقيل له {آمن الرسول} عبانًا {بما أنزل إليه من ربه} فقال من كمال رأفته بأمته {والمؤمنون كل آمن بالله} إلى قوله: {سمعنا وأطعنا} فقال الله تعالى: ما يطلبون مني في جزاء السمع والطاعة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم {غفرانك ربنا وإليك المصير} ما يطلبون إلا أن تسترهم بسربال فضلك ويكون مصيرهم إليك لا إلى غيرك كما كان مصيري إليك لا إلى من سواك. قال الله في جوابه {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} إنك في مقام لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولهذا قال لك جبريل: لو دنوت أنملة لاحترقت. وإن الأنبياء والمرسلين الذين اصطفيناهم على العالمين وكل طائفة منهم في سماء واقفون حبستهم رحمتي كيلا تحرقهم سبحات وجهي وسطوات قهري، فكيف أكلف أمتك المذنبة المرحومة بهذا المصير وأنا بضعف حالهم بصير؟ وإنما بلغك هذا المقام حتى جاوزت الرسل الكرام أن اتخذتك حبيبًا قبل أن أخلقك وخلقت الكائنات لمحبتك ولأن أمتك أكرم الأمم، ولهم بسبب شفاعتك اختصاص بمحبتي إياهم ما داموا في متابعتك فقل لهم {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] فبقدر ما كسبت أمتك من أنوار متابعتك تستحق المصير إلى حضرة جلالنا وشواهد جمالنا، وعل قدر ما اكتسبت بالتواني عن ظل متابعتك تستأهل المصير إلى دركات السعير. فتارة أسكره لذة هذا الخطاب وأخرى أقحمته سطوة هذا العتاب. فقال: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} أي لا تعاقب أمتي إن نسيت عهدك الذي عاهدتهم أن يحبوك ولا يحبوا غيرك، أو أخطأت طريق طلبك ولكن ما أخطأت طريق عبوديتك فلم يعبدوا غيرك وأنت قلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا} بأن تجعلنا أسرى النفس الأمارة فنعبد عجل الهوى ونار الشهوات كما عبد الذين من قبلنا {ولا تحملنا ما لا طاقة لنا} بالصبر عن شهود جمالك {واعف عنا} حجب أنانيتنا {واغفر لنا} بشواهد هويتك {وارحمنا} برفع البينونة من بيننا {أنت مولانا} وولينا في رفع وجودنا وناصرنا في نيل مقصودنا {فانصرنا على القوم الكافرين} بجذبات عنايتك وأعنا في المصير إليك على قمع كفار الأثنينية التي تمنعنا من وحدتك.
بيني وبينك إنيَّ يزاحمني ** فارفع بجودك إنّي من البين

اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في هذه الآيات: {للَّهِ مَا في السموات} أي العوالم الروحانية كلها وما استتر في أستار غيوبه وخزائن علمه {وَمَا في الأرض} أي العالم الجسماني والظواهر المشاهدة التي هي مظاهر الأسماء والأفعال {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ} يشهده بأسمائه وظواهره فيحاسبكم به وإن تخفوه يشهده بصفاته وبواطنه ويحاسبكم به فيغفر لكم لمن يشاء لتوحيده وقوة يقينه وعروض سيآته وعدم رسوخها في ذاته {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} لفساد اعتقاده ووجود شكه، أو رسوخ سيآته في نفسه {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} [البقرة: 284] لأن به ظهور كل ظاهر وبطون كل باطن فيقدر على المغفرة والتعذيب {الرسول بِمَا} الكامل الأكمل {بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ} أي صدقه بقبوله والتخلق به فقد كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن والترقي بمعانيه والتحقق به {والمؤمنون كُلٌّ آمَنَ بالله} وحده مشاهدة حين لم يروا في الوجود سواه {وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} حين رجوعهم إلى مشاهدتهم تلك الكثرة مظاهر للوحدة يقولون {لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} برد بعض وقبول بعض لمشاهدة الحق فيهم بالحق {وَقَالُواْ سَمِعْنَا} أجبنا ربنا في كتبه ورسله ونزول ملائكته واستقمنا في سيرنا {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} أي اغفر وجوداتنا وصفاتنا واستر ذلك بوجودك وصفاتك فمنك المبدأ {وَإِلَيْكَ المصير} [البقرة: 285] بالفناء فيك {لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} إلا ما يسعها ولا يضيق به طوقها واستعدادها من التجليات {لَهَا مَا كَسَبَتْ} من الخير والكمالات والكشوف سواء كان ذلك باعتمال أو بغير اعتمال {وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت} وتوجهت إليه بالقصد من السوء {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} عهدك بميلنا إلى ظلمة الطبيعة {أَوْ أَخْطَأْنَا} بالعمل على غير الوجه اللائق لحضرتك {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} وهو عبء الصفات والأفعال الحابسة للقلوب من معاينة الغيوب {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الذين مِن} من المحتجبين بظواهر الأفعال أو بواطن الصفات {قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} من ثقل الهجران والحرمان عن وصالك ومشاهدة جمالك بحجب جلالك {واعف عَنَّا} سيآت أفعالنا وصفاتنا فإنها سيآت حجبتنا عنك وحرمتنا برد وصالك ولذة رضوانك {واغفر لَنَا} ذنوب وجودنا فإنه أكبر الكبائر {وارحمنا} بالوجود الموهوب بعد الفناء {أَنتَ مولانا} أي سيدنا ومتولي أمورنا لأنا مظاهرك وآثار قدرتك {فانصرنا عَلَى القوم الكافرين} من قوى نفوسنا الأمارة وصفاتها وجنود شياطين أوهامنا المحجوبين عنك الحاجبين إيانا لكفرهم وظلمتهم. اهـ.

.فوائد بلاغية:

.قال أبو حيان:

تضمنت هذه الآية من أنواع الفصاحة وضروب البلاغة أشياء، منها: الطباق في {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} والطباق المعنوي في: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} لأن: لها، إشارة إلى ما يحصل به نفع، و: عليها، إشارة إلى ما يحصل به ضرر.
والتكرار في قوله: {وما في الأرض} كرر: ما، تنبيهًا وتوكيدًا.
وفي قوله: {بين أحد من رسله} وفي قوله: ما كسبت وما اكتسبت.
إذا قلنا إنهما بمعنى واحد، إذ كان يعني: لها ما كسبت.
والتجنيس المغاير في: {آمن} و{المؤمنون}.
والحذف في عدّة مواضع. والله أعلم. اهـ.

.قال في صفوة التفاسير:

البلاغة:
1- تضمنت الآية من أنواع الفصاحة وضروب البلاغة أشياء منها الطباق في قوله: {وإن تبدو} {أو تخفوه} وبين {يغفر} و{يعذب} ومنها الطباق المعنوي بين {كسبت} و{اكتسبت} لأن كسب في الخير، واكتسب في الشر.
2- ومنها الجناس ويسمى جناس الاشتقاق في قوله: {آمن} {والمؤمنون}.
3- ومنها الإطناب في قوله: {لا نفرق بين أحد من رسله}.
4- ومنها الإيجاز بالحذف في قوله: {والمؤمنون} أي آمنوا بالله ورسله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت}: {وُسْعَهَا} مفعولٌ ثانٍ، وقال ابن عطية: يُكَلِّفُ يتعدَّى إلى مفعولين، أحدهما محذوفٌ، تقديره: عبادةً أو شيئًا. قال أبو حيان: إن غَنَى أنَّ أصله كذا، فهو صحيحٌ؛ لأنَّ قوله: {إِلاَّ وُسْعَهَا} استثناءٌ مفرَّغٌ من المفعول الثاني، وإن عَنَى أنَّ أصله كذا، فهو صحيحٌ؛ لأنَّ قوله: {إِلاَّ وُسْعَهَا} استثناءٌ مفرَّغٌ من المفعول الثاني، وإن عَنَى أنَّه محذوفٌ في الصنعة، فليس كذلك، بل الثاني هو {وُسْعَهَا}؛ نحو: مَا أَعْطَيْتُ زَيْدًا إِلاَّ دِرْهَمًا، ومَا ضَرَبْتُ إِلاَّ زَيْدًا هذا في الصناعة هو المفعول، وإن كان أصله: ما أعْطَيْتُ زَيْدًا شَيْئًا إِلاَّ دِرْهَمًا.
قوله: {لاَ تُؤَاخِذْنَا} يقرأ بالهمزة، وهو من الأخذ بالذَّنب، ويقرأ بالواو، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون من الأخذ أيضًا، وإنما أُبدلت الهمزة واوًا؛ لفتحها وانضمام ما قبلها، وهو تخفيفٌ قياسيٌّ، ويحتمل أن يكون من: واخذه بالواو، قاله أبو البقاء. وجاء هنا بلفظ المفاعلة، وهو فعل واحدٍ؛ لأنَّ المسيء قد أمكن من نفسه، وطرق السبيل إليها بفعله؛ فكأنه أعان من يعاقبه بذنبه، ويأخذ به على نفسه. اهـ. بتصرف.